الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
أبرز الأعضاء
شرح نظام النقاط
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
سجل دخولك او سجل عضوية لكي تتصفح من دون إعلانات
الرئيسية
المنتديات
كتابات و قصص السكس العربي
قصص سكس
لن اعيش معك
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="أمنيه رشدى" data-source="post: 242375" data-attributes="member: 2674"><p><strong>كانت سها جالسة وسط صاحباتها والبسمة مرسومة على شفتيها الورديتين الرقيقتين.. كانت هناك لمعة فرح وفخر في عينيها السمراوتين وهي تتطلع إلى ما حولها... فها هي اليوم وبفضل **** تعالى تتخرج وتتحصل على درجة الدكتوراه بعد مسيرة طالت أكثر من ست سنوات.. كانت تظن أن هذا اليوم لن يأتي أبدًا... فلطالما أطالت السهر.. ولطالما يئِسَت من قدرتها على إنهاء ما سعت إلى تحصيله، ليس لعدم ثقتها بنفسها، وإنما لأنه فعلًا الحياة صارت صعبة بهمومها ومتاعبها وأعبائها ومسؤولياتها، حتى صار إنهاء كل يوم بيوم، بل كل ساعة بساعة، فيه مشقة وجهد كبير...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>نظرت سها إلى وجوه زميلاتها وزملائها من خريجي هذه الدفعة... كان ثلاثة طلبة هم الذين أنهوا رسالة الدكتوراه في علم النفس، وثلاثة آخرون في تخصصات أخرى في هذا الفصل الدراسي، أما الباقي من الخريجين فهم خريجو مرحلة الماجستير والبكالوريوس.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>نظرت إلى وجوه أولئك الخريجين من حولها.. وتساءلَت في نفسها: سبحان ****! كم من الجميل أن يكون الإنسان حرًّا طليقًا بلا هموم.. يعني هذه الدفعة، وخاصة من خريجي البكالوريوس، هم مجموعة من الشابات والشبان الذين لم تَعصرهم الحياة بعد... ولا يعلمون من الحياة الواقعية إلا النزر اليسير... توقفت في مسار تفكيرها وقالت لنفسها: إنه ليس من العدل أن تحكم على خبرات مَن حولها، فما علمها بما وراء هذه البسمات، فكم من بسمة غطت وغلفت دموعًا وجروحًا عميقة لا يعلم بها إلا رب العباد... كيف لها ألا تعلم بذلك وهي نفسها من هذه النفوس... جرَّها تفكيرها إلى قبل ما يقرب من خمسة عشر عامًا، وبالتحديد عندما اقترب عمرها من السابعة عشرة...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>••••</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكَّرَت يوم ميلادها السابع عشر، وكيف أنها كانت سعيدة بفستانها الأزرق بلون السماء، وحذائها الفضي ذي الكعب العالي.. وبفرحتها وانتظارها لتوءمها سلام؛ حتى يصحبها وأختهم الصغيرة ووالديهم إلى المطعم، تذكرت كيف بدأ ذلك اليوم ببسمات حنونة من أمها، ونظرات الفخر من أبيها، وكيف أنه انتهى بدموع ونحيب وحسرة... تذكرت سها كيف أن ميلادها ذلك اليوم تحول إلى أقسى يوم في حياتها، ليس في حياتها فقط، وإنما في حياة أسرتها جميعًا.. ما زالت تحس بالدمعة في مقلتيها وهي تتذكر ذلك اليوم.. كان يومًا تاريخيًّا لا ينسى، سواء لها ولوالديها، وطبعًا لأخيها وتوءمها الحبيب سلام...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>••••</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لم يكن ذلك التاريخ هو البداية، ولكنه في ذاكرتها وذاكرة أهلها كان كذلك، بما أن ذلك اليوم كان هو اليوم الذي اعترفوا فيه لأنفسهم أن سلام عنده مشكلة، وأن مشكلته أكبر بكثير مما كانوا يتصورون، كان ذلك اليوم هو اليوم الذي أدخل فيها أخوها إلى المستشفى ليبقى فيها أكثر من أربعة شهور.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لطالما فكَّرَت سها في حالة أخيها وتوءمها الوحيد... تذكرت كيف بدا لمن حوله في آخر سنة له في الإعدادية وكأنه إنسان آخر.. لقد صار يتعامل مع كل ما حوله بخفة وبحيوية وبنوع من الاستهتار والاستهانة بكل ما حوله... كيف أنه بدا وكأنه لا يهتم أو يكترث بنفسه وبكل من حوله... تذكرت كيف أنه وبعد أن كان يهتم بهندامه وتسريحة شعره ونوع قميصه صار لا يهتم، بل وصل الأمر إلى أنه ولأيام عديدة لا يأخذ حمامًا، أو يغير ملابسه الخارجية، كيف أنه صار يهمل غرفته حتى صارت وكأنها زريبة تعبق فيها رائحة العرق والملابس الوسخة ونفايات الطعام... تذكرت سها كيف أنه صار كثير النسيان، وعديم الاهتمام بمواعيد الامتحانات، أو مواعيد لقاء أصحابه، كيف أنه صار منطويًا على نفسه، شاردًا، حزينًا، غاضبًا مع من حوله.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكرت كيف أنه كلما اشتكت أمها منه إلى أبيه قال لها والدها: "اصبري.. هو ما زال في مرحلة المراهقة، ولا بد له من أن يتصرف برعونة وطيش كحال شباب اليوم".</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لكن كان أكثر ما تتذكره فاتن عن تلك الفترة السوداء من حياة عائلتهم الصغيرة تلك الشهور الممتدة من الضياع والحيرة والخوف الذي كان أخوها يتخبط فيها... لطالما تساءلت مع نفسها إن كان أخوها قد التمَّ على بعض رفاق السوء، أو أنه صار يتعاطى المخدِّرات، سواء الحشيش أو البودرة، أو أنه كان متمردًا ومريرًا بعد أن فقد سميرة ابنة الجيران التي كان يحبها في صمتٍ، ويتمنَّى أن يرتبط بها بعد أن صارت من نصيب غيره، وضاعت منه إلى الأبد... لكنه كان ينفي كل تلك الأسباب كلما سألَته عن ذلك، وهي كانت تصدقه.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لقد كان أخوها من الفئة القليلة التي وقفَت ضد الفساد والإمعية وراء تجربة الجديد... بل كان هو من مؤسسي مجموعة: "نعم أنا أختار الحرية لنفسي"، التي جمعت فيها الفئة الصالحة من الشباب والشابات في الحي القاطنين فيه حتى يساندوا بعضهم البعض ضد المخدرات والإباحية التي كانت قد انتشرَت ذلك الحين في المجتمع، تذكَّرَت سُها كيف أنه كان يجمع التبرُّعات من الخيِّرين من أهل البلد، ومن ثمَّ يسلم التبرعات لمؤسسات تسعى لنشر التوعية في صفوف الشباب، وخاصة في مراحل المتوسطة والإعدادية، تذكَّرَت كيف أنه كان إنسانًا رائعًا تغبطه العوائل، وتتمنى من أولادها أن يقتفوا أثره، لقد كان شابًّا ثائرًا على المجتمع وتقاليده الخرقاء... كان يناهض ويدافع عن حقوق الطلبة وحرية الإنسان في الحياة الكريمة الشريفة، وحريته في اختيار الطريق المستقيم، كان سلام ممن يساهم في كتابة الشعارات واللافتات التي تدعو الطلبة إلى الصبر على البقاء على الطريق السليم بعيدًا عن المخدِّرات واللهو والإباحة، التي كانت تدعو إلى الصبر في التعلم، وإلى المساهمة في مساعدة الغير والعمل التطوعي، التي توعي الشباب بألا يقعوا في مخاطر الجنس والحب الضائع قبل شرعية الزواج التي أحله **** لهم.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكَّرَت سُها كل ذلك في لحظات، وأحسَّت أن صدرها ضيِّق من شدة الألم، سبحان ****! من كان يتصور أن ذلك الإنسان سوف يتحول إلى شخص آخر... إنسان خائف مزعزع الشخصية، إنسان سلبي انتقادي لذاته، ذي صورة مهتزة ومدمرة لذاته... كيف أنه تحول من إنسان فعَّال في المجتمع إلى إنسان لا يبالي... كيف أنه تحول من إنسان اجتماعي يحب الرفقة إلى إنسان انطوائي، لا يحب أن يجالس أي أحد من عائلته أو أصدقائه.. كيف أنه تحول من إنسان حيويٍّ إلى إنسان خمول، لا رغبة عنده حتى في أن يفرش أسنانه.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكرت سُها عندما دخلَت عليه في غرفته، فوجدته جالسًا على مكتبه وأمامه كتاب الفيزياء، كان من الواضح أن ذهنه لم يكن في الدراسة، وإنما كان ينظر بخوف إلى الظلال التي حول مكتبه، ويتكلَّم بصوت خفي بكلمات غير مفهومة، تذكرت عندما سألَته عما يجري كيف أنه نظر إليها وفي عينيه نظرة رعب وخوف، وكيف أنه همس بصوت خافت خائف: "إنهم يحاولون أن يجدوني... هم يريدون أن يقبضوا علي ويقدموني للمحاكمة العسكرية... أنا أعلم أنهم يتآمرون ضدي، وأنهم يخطِّطون لقتلي"!، تذكرت سها دموعها التي جرت وهي تحاول أن تقنع أخاها الحبيب أنه في أمان، وأنه لا يوجد أي شخص يحاول اغتياله.. ولكن كان سلام يبدو وكأنه يهيم في عالم آخر... كأنه في عالم آخر يَسمع فيه أصواتًا لا تسمعها هي، ويرى أشياء لا تراها هي.. كان يتصرف كأنه يرى الخطر في ظل كل حركة ونفس، تذكرت كيف خرجت باكية من الغرفة، وكيف أسرعت إلى والديها مستنجدة أن ينقذوا "سلام" من الصراع النفسي القاتل الذي يهيم فيه.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكَّرَت سها كيف أنها في تلك الفترة لم تكن على علم بتطورات أخيها الصحية؛ حيث لم يشاركها والداها بأخبار وتحاليل الأطباء وفحوصات الدم والرنين المغناطيسي، وكل الفحوصات المتعددة التي مرَّ بها.. كل ما قالوه لها: إن أخاها يمر بوقت عصيب، وإنهم جميعًا يحتاجون إلى أن يصبروا معه، وألا يعارضوه في أفكاره وأوهامه، كل ما تَذكره عن والديها في تلك الفترة هو أنه كلما همَّت بأن تسأل والدها عن سبب تصرف سلام هذه التصرفات الغريبة التي تصل إلى حدِّ الجنون والهلوسة، نظرَت إلى عيني والدها، فإذا بها ترى نظرة التعب والإرهاق الجسدي والنفسي والمرارة معكوسة في عينيه، وأنها كلما كانت على وشك أن تسأل أمها عن حالة سلام رأت نظرة الحزن والخوف يغمران تقاطيع وجهها، فإذا بها تلجم لسانها، وتحبس تساؤلاتها...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكرت سها حال أختها الصغيرة ريما ذات الأعوام الثلاثة، وكيف أنها في تلك الفترة تغيرت معاملتها لسلام.. فبعد أن كانت شغوفة بأخيها، وكانت تركض إلى باب البيت عندما تعلم أن أخاها قد عاد إلى البيت حتى يستقبلها ويرفعها ويطيرها في الهواء ويعطيها الحلوى التي خبأها لها، تغيرَت وصارت تخاف منه وتخاف من عنفه وصراخه وعدم مبالاته بها، صارت ريما لا تركض إليه، وتخاف أن تقول له شيئًا فيصرخ فيها ويعنفها ويتهمها بسرقة أشياء من غرفته.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>جرَّتها أفكارها إلى كل الاتهامات المحمومة التي كان يتكلم سلام عنها.. كان يقول: إن كل من حوله يحاول أن يغتاله ويقتله؛ لأنه شخص عصامي بطل، وإن أخته الصغيرة تسرق أقلامَه وملابسه الداخلية من غرفته، وإن الطريق إلى المدرسة مزروع بالألغام، وإنه يجب عليه أن يمشي بحذر شديد يعدُّ خطواته، وكيف أنه لا يكلم صديقه عمر الآن؛ لأنه إنسان فاسق شاذ حاول أن يَحتضنه وأن يقبِّله على شفتيه... كانت كل الاتهامات على حدة، واتهاماته لها على جانب آخر، كان يتهمها بأنها سرقت ذهنه وعقله، وأنها إنسانة أنانية تحاول أن تأخذ طاقته وتدمِّره، وأنها مشتركة مع العدوِّ في محاولة اعتقاله وتقديمه للمحاكمة، تذكَّرَت كيف كان يسهر الليل إلى وجه الفجر وهو يمشي ذهابًا وإيابًا ويفكِّر ويخطط لطرق الهرب إن تمَّ القبض عليه...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>تذكرت سها تلك الأيام ولم تتمالك أن تمسح دمعتين حنونتين سرت على وجنتيها... يا **** كم كانت تلك الأيام صعبة.. بل إن كلمة صعبة كلمة ركيكة وضعيفة، ولا تصف مشاعرها ولا مشاعر عائلتها الحزينة في تلك الشهور.. وطبعًا لا تصف حالة وإحساس سلام نفسه في تلك الفترة المريرة القاتمة...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لطالما كانت عائلتها عائلة متماسكة، عائلة تخاف <strong>*<em>َ تعالى، وتُعلِّم أفرادها حبَّ *</em></strong> ورسوله ودينه، والسعي إلى التطور والتقدم، وهم طبعًا لم يريدوا لذريتهم أن يخسروا لا الدنيا ولا الآخرة، وإنما أن يسعوا ويتعلموا ويتطوروا، تذكرت كيف كانت النكت والطرائف تدور حول أطراف مائدة الطعام، وكيف كانت الضحكات والقهقهات شيئًا متعارفًا عليه في جدولهم اليومي...</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لكن كل ذلك كان قبل ميلادهما السابع عشر... عندما اضطروا أن يأخذوا سلام إلى مستشفى الأمراض العقلية ليمكث هناك لأكثر من أربعة شهور.. إلى أن تمكَّن الأطباء من تشخيص مرضه، ويا لأسفها عندما علمت أن ما يمر فيه توءمها لم يكن نتيجة هرمونات مرحلة المراهقة، أو تعرُّضه لأزمة نفسية، أو تعاطيه للمخدرات المحرَّمة، وإنما كان مرضًا لم يسمعوا عنه حتى ذلك اليوم إلا في الأفلام، وخاصة الأفلام الراعبة... كان ذلك أول لقاء لهم مع ما يعرف اليوم بمرض الفصام أو الشيزوفرينيا.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>كانت أيام وجود سلام في المستشفى من أحلك الأيام والليالي في حياة أسرتهم؛ فلطالما استيقظت في منتصف الليل وهي تسمع نحيب والدتها وهي جالسة على سجادة الصلاة تستنجد بربِّ العباد ورب الأرباب وطبيب الأطباء بأن يشفي ولدها، وأن يرده إليها سليمًا معافًى، وأن يطرد الشياطين التي صارت تتخبَّط في نفسه حتى صار إنسانًا آخر... تذكرت سُها أيضًا أن أمها كانت في النهار وأمام الجميع تتظاهر بالسكينة والهدوء والأمل وتمالك الأعصاب، ولكنها عندما كانت تنظر في أعماق عيني أمها كانت تحسُّ أن أمها ممزقة ما بين خوفها على ولدها الذي فقدته وهو في المستشفى وما بين خوفها وقلقها على سُها وريما وعائلتهم المشتتة، تذكرت سُها والدها الحبيب في سعيه المحموم في إيجاد الطبيب الصالح الواعي لما يجري من دون أن يحكم باليأس على حالة مريضه، تذكَّرَت سعي والدها في توفير مصاريف الدواء والمستشفى... وتذكرت نفسها وهي واقفة عاجزة أمام ما يجري من حولها من أحداث، ترى توءمها في صراع وحرب نفسية مع وساوسه وهواجسه وعالمه الخيالي وصراخه وخوفه ورعبه... وتذكَّرَت حال العالم والناس من حولهم وتسرعهم في الحكم بالإدانة لوالديها بأنهم السبب فيما جرى لولدهم.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>••••</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>عندما خرج أخوها سلام من المستشفى كان كأنه شخص آخر؛ كان هادئًا أكثر من الطبيعي، صامتًا لا يعلق على ما يجري حوله من أحداث، كان هذا الأمر كما شرح لهم الطبيب النفسي المعالج لسلام هو من الأعراض الجانبية للأدوية العديدة التي يأخذها، استغرق الأمر شهورًا عدة، ولكن الحمد لله وبعد جلسات علاج عديدة واستمرار في أخذ الأدوية، تمكَّن سلام من العودة إلى أرض الواقع، لم يعُد يسمع أصواتًا تهمس في أذنيه أو يتصور خزعبلات وأوهام غير واقعية، لكنه لم ينسَ قط المرحلة التي مرَّ بها، كانت ترى أنه ما زال يتصارع مع إحساسه بالخجل من مرضه، وتفضيله بألا يلتقي بالناس الذين آذاهم بالكلام، أو بتوجيه الاتهامات في فترة مرضه، استمر على العزلة لمدة طويلة، لم يخرجه منها إلا رحمة **** تعالى أولًا، ومن ثمَّ الجلسات الطويلة التي كان يجلسها مع معالجه وطبيبه النفسي.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لم يكمل سلام سنته الدراسية في ذلك العام، رغم أنه كان آخر عام له في الدراسة، وإنما أخذ رخصة طبية بتأجيل وإعادة السنة من جديد، كان ذلك الخيار من الخيارات الموفقة في حياته؛ حيث تحول إلى مدرسة أخرى، وبدأ العام الدراسي مع دفعة جديدة وأصحاب جدد.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>كان سلام يأمل في أن يكون طبيبًا، لكن بعد تجربته المريرة مع مرض الفصام، ومعرفته بأن هذا المرَض سوف يلازمه مدى الحياة، اختار أن يتوجَّه إلى تخصص آخر، لقد تخصَّص في فن إدارة الفنادق، كان يشاركها أفكاره قائلًا: "إنِّي أخاف أن أكون طبيبًا، ومن ثم تأتيني الأزمة وقد أؤذي مريضًا بغير قصد، وهذا شيء لا يمكنني أن أسامح نفسي عليه إن حدث"، أما هي فقد اختارَت علم النفس كتخصص لها، ولا عجب في ذلك؛ فعلم النفس كان من أحب المواضيع إلى قلبها، فلطالما حنَّتْ إلى فهم المزيد عن هذه النفس البشرية التي خلقها **** تعالى... ولطالما حثت نفسها على فهم ما حل بعائلتها، وبالأخص بتوءمها وحبيبها سلام.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>لقد تعلمت هي وعائلتها الكثير، وما زالوا يتعلمون شيئًا جديدًا كل يوم، كان من أهم ما تعلمته سُها وتعلمه أخوها وعائلتهما الحبيبة: أن يتعايشوا مع الأمر الواقع، وأن يساندوا بعضهم البعض، وأن يستعينوا بسلاح العلم حتى يفهموا هذا المرض العصيب وكيفيه التعامل معه، نعم المصاب كبير، ولكن رحمة <strong>** أكبر، والدتهم علمتهم الصبر والحمد على نعم **</strong> التي لا تُحصى، وأن تتمسك بحُسن الظن ب<strong>*<em>، كانت والدتهم دائمًا تقول لهم: "احمدوا *</em></strong> تعالى أن أعاد لنا سلام سالمًا إلى البيت، بعد أن أوشكت أن أيئس من عودته لولا رحمة ****، الحمد لله أنه الآن معنا في عالم الواقع بعيدًا عن المخاوف والأوهام"، علمتهم أمهم المجاهَدة والكفاح، وهي صارت الأم والطبيبة والممرضة والمرافقة والمدرسة، وكُل شيء مهم في حياة ولدها، وخاصة في فترات مرضه التي تذهب وتأتي.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>أما والدهم فقد علمهم العطف والرضا بقضاء **** تعالى، والسعي في طلب الرزق الحلال، والتوفير ليوم قد يحتاج فيه سلام للدرهم قبل الدينار، حتى أختها الصغيرة ريما علمتهم أنها ممكن أن تُحب مرة أخرى، وأن تتعلم الثقة مرة أخرى، وأن نبع حُب الأسرة نبع لا ينضب.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>أما سلام فقد علمهم الكثير: علمهم معنى نعمة الصحة والعافية، علمهم أن يعيشوا ويتمتعوا باللحظة والوقت الذي هم فيه معًا، علمهم معنى المقاومة والصمود بعد أن تغلَّب على مخاوفه وخرج من أزمته ومرضه وهو أقوى من قبل وأكثر حكمة وأكثر تفهمًا لمن هم أقل منه في القدرات والمهارات، علمهم ضعف الإنسان، وقوة الإنسان! علمهم نعمة العقل.. علمهم العطاء وهو يقضي من أوقاته ساعات كُل أسبوع يعين فيه الشباب والأطفال الذين يعانون من الأمراض العقلية والنفسية، وكأنه يقول: "أريد أن يحسوا أنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك ضوءًا في نهاية النفق، وأن الشفاء بيد **** تعالى، وأن كُل شيء مكتوب، فمن رضي له الرضا، ومن سخط فله السخط"، علمهم أن مرض الفصام يأتي ويذهب ما بين حين وآخر، وأنه في بعض الأحيان ليس للإنسان إلا أن يطأطئ وينحني وينتظر أن تذهب العاصفة ويحل السكون من جديد.. علمهم أن يُحبوا الحياة بمُرها وحلوها، بفرحها وحُزنها، بصحتها ومرضها.</strong></p><p> <strong></strong></p><p> <strong>••••</strong></p><p> <strong></strong></p><p><strong></strong></p><p><strong></strong></p><p><strong>تنبهت سُها إلى ما حولها عندما سمعت هتافات الطلبة وفرحهم وقد ضجَّتِ القاعة بالتصفيق والتشجيع لمدير الجامعة بعد أن أنهى كلمته مهنئًا فيها الخريجين وأهاليهم بهذا اليوم المميز... اليوم الذي يحتفلون فيه بثمرة جهدهم وصبرهم، نظرت بعينيها إلى المكان الذي اختارت عائلتها أن تجلس فيه، أمعنت النظر ورأت أخاها سلام جالسًا هناك وابتسامة مشجعة على وجهه.. رفع يده إليها بالتحية، ووجدت سُها نفسها ترد التحية بابتسامة صافية وقلب مغمور بالحب... "هذا هو أخي وتوءمي".. لقد جاء ليشاركها الفرحة ويعلمها بفخره بها... كما هي فخورة به</strong></p></blockquote><p></p>
[QUOTE="أمنيه رشدى, post: 242375, member: 2674"] [B]كانت سها جالسة وسط صاحباتها والبسمة مرسومة على شفتيها الورديتين الرقيقتين.. كانت هناك لمعة فرح وفخر في عينيها السمراوتين وهي تتطلع إلى ما حولها... فها هي اليوم وبفضل **** تعالى تتخرج وتتحصل على درجة الدكتوراه بعد مسيرة طالت أكثر من ست سنوات.. كانت تظن أن هذا اليوم لن يأتي أبدًا... فلطالما أطالت السهر.. ولطالما يئِسَت من قدرتها على إنهاء ما سعت إلى تحصيله، ليس لعدم ثقتها بنفسها، وإنما لأنه فعلًا الحياة صارت صعبة بهمومها ومتاعبها وأعبائها ومسؤولياتها، حتى صار إنهاء كل يوم بيوم، بل كل ساعة بساعة، فيه مشقة وجهد كبير... نظرت سها إلى وجوه زميلاتها وزملائها من خريجي هذه الدفعة... كان ثلاثة طلبة هم الذين أنهوا رسالة الدكتوراه في علم النفس، وثلاثة آخرون في تخصصات أخرى في هذا الفصل الدراسي، أما الباقي من الخريجين فهم خريجو مرحلة الماجستير والبكالوريوس. نظرت إلى وجوه أولئك الخريجين من حولها.. وتساءلَت في نفسها: سبحان ****! كم من الجميل أن يكون الإنسان حرًّا طليقًا بلا هموم.. يعني هذه الدفعة، وخاصة من خريجي البكالوريوس، هم مجموعة من الشابات والشبان الذين لم تَعصرهم الحياة بعد... ولا يعلمون من الحياة الواقعية إلا النزر اليسير... توقفت في مسار تفكيرها وقالت لنفسها: إنه ليس من العدل أن تحكم على خبرات مَن حولها، فما علمها بما وراء هذه البسمات، فكم من بسمة غطت وغلفت دموعًا وجروحًا عميقة لا يعلم بها إلا رب العباد... كيف لها ألا تعلم بذلك وهي نفسها من هذه النفوس... جرَّها تفكيرها إلى قبل ما يقرب من خمسة عشر عامًا، وبالتحديد عندما اقترب عمرها من السابعة عشرة... •••• تذكَّرَت يوم ميلادها السابع عشر، وكيف أنها كانت سعيدة بفستانها الأزرق بلون السماء، وحذائها الفضي ذي الكعب العالي.. وبفرحتها وانتظارها لتوءمها سلام؛ حتى يصحبها وأختهم الصغيرة ووالديهم إلى المطعم، تذكرت كيف بدأ ذلك اليوم ببسمات حنونة من أمها، ونظرات الفخر من أبيها، وكيف أنه انتهى بدموع ونحيب وحسرة... تذكرت سها كيف أن ميلادها ذلك اليوم تحول إلى أقسى يوم في حياتها، ليس في حياتها فقط، وإنما في حياة أسرتها جميعًا.. ما زالت تحس بالدمعة في مقلتيها وهي تتذكر ذلك اليوم.. كان يومًا تاريخيًّا لا ينسى، سواء لها ولوالديها، وطبعًا لأخيها وتوءمها الحبيب سلام... •••• لم يكن ذلك التاريخ هو البداية، ولكنه في ذاكرتها وذاكرة أهلها كان كذلك، بما أن ذلك اليوم كان هو اليوم الذي اعترفوا فيه لأنفسهم أن سلام عنده مشكلة، وأن مشكلته أكبر بكثير مما كانوا يتصورون، كان ذلك اليوم هو اليوم الذي أدخل فيها أخوها إلى المستشفى ليبقى فيها أكثر من أربعة شهور. لطالما فكَّرَت سها في حالة أخيها وتوءمها الوحيد... تذكرت كيف بدا لمن حوله في آخر سنة له في الإعدادية وكأنه إنسان آخر.. لقد صار يتعامل مع كل ما حوله بخفة وبحيوية وبنوع من الاستهتار والاستهانة بكل ما حوله... كيف أنه بدا وكأنه لا يهتم أو يكترث بنفسه وبكل من حوله... تذكرت كيف أنه وبعد أن كان يهتم بهندامه وتسريحة شعره ونوع قميصه صار لا يهتم، بل وصل الأمر إلى أنه ولأيام عديدة لا يأخذ حمامًا، أو يغير ملابسه الخارجية، كيف أنه صار يهمل غرفته حتى صارت وكأنها زريبة تعبق فيها رائحة العرق والملابس الوسخة ونفايات الطعام... تذكرت سها كيف أنه صار كثير النسيان، وعديم الاهتمام بمواعيد الامتحانات، أو مواعيد لقاء أصحابه، كيف أنه صار منطويًا على نفسه، شاردًا، حزينًا، غاضبًا مع من حوله. تذكرت كيف أنه كلما اشتكت أمها منه إلى أبيه قال لها والدها: "اصبري.. هو ما زال في مرحلة المراهقة، ولا بد له من أن يتصرف برعونة وطيش كحال شباب اليوم". لكن كان أكثر ما تتذكره فاتن عن تلك الفترة السوداء من حياة عائلتهم الصغيرة تلك الشهور الممتدة من الضياع والحيرة والخوف الذي كان أخوها يتخبط فيها... لطالما تساءلت مع نفسها إن كان أخوها قد التمَّ على بعض رفاق السوء، أو أنه صار يتعاطى المخدِّرات، سواء الحشيش أو البودرة، أو أنه كان متمردًا ومريرًا بعد أن فقد سميرة ابنة الجيران التي كان يحبها في صمتٍ، ويتمنَّى أن يرتبط بها بعد أن صارت من نصيب غيره، وضاعت منه إلى الأبد... لكنه كان ينفي كل تلك الأسباب كلما سألَته عن ذلك، وهي كانت تصدقه. لقد كان أخوها من الفئة القليلة التي وقفَت ضد الفساد والإمعية وراء تجربة الجديد... بل كان هو من مؤسسي مجموعة: "نعم أنا أختار الحرية لنفسي"، التي جمعت فيها الفئة الصالحة من الشباب والشابات في الحي القاطنين فيه حتى يساندوا بعضهم البعض ضد المخدرات والإباحية التي كانت قد انتشرَت ذلك الحين في المجتمع، تذكَّرَت سُها كيف أنه كان يجمع التبرُّعات من الخيِّرين من أهل البلد، ومن ثمَّ يسلم التبرعات لمؤسسات تسعى لنشر التوعية في صفوف الشباب، وخاصة في مراحل المتوسطة والإعدادية، تذكَّرَت كيف أنه كان إنسانًا رائعًا تغبطه العوائل، وتتمنى من أولادها أن يقتفوا أثره، لقد كان شابًّا ثائرًا على المجتمع وتقاليده الخرقاء... كان يناهض ويدافع عن حقوق الطلبة وحرية الإنسان في الحياة الكريمة الشريفة، وحريته في اختيار الطريق المستقيم، كان سلام ممن يساهم في كتابة الشعارات واللافتات التي تدعو الطلبة إلى الصبر على البقاء على الطريق السليم بعيدًا عن المخدِّرات واللهو والإباحة، التي كانت تدعو إلى الصبر في التعلم، وإلى المساهمة في مساعدة الغير والعمل التطوعي، التي توعي الشباب بألا يقعوا في مخاطر الجنس والحب الضائع قبل شرعية الزواج التي أحله **** لهم. تذكَّرَت سُها كل ذلك في لحظات، وأحسَّت أن صدرها ضيِّق من شدة الألم، سبحان ****! من كان يتصور أن ذلك الإنسان سوف يتحول إلى شخص آخر... إنسان خائف مزعزع الشخصية، إنسان سلبي انتقادي لذاته، ذي صورة مهتزة ومدمرة لذاته... كيف أنه تحول من إنسان فعَّال في المجتمع إلى إنسان لا يبالي... كيف أنه تحول من إنسان اجتماعي يحب الرفقة إلى إنسان انطوائي، لا يحب أن يجالس أي أحد من عائلته أو أصدقائه.. كيف أنه تحول من إنسان حيويٍّ إلى إنسان خمول، لا رغبة عنده حتى في أن يفرش أسنانه. تذكرت سُها عندما دخلَت عليه في غرفته، فوجدته جالسًا على مكتبه وأمامه كتاب الفيزياء، كان من الواضح أن ذهنه لم يكن في الدراسة، وإنما كان ينظر بخوف إلى الظلال التي حول مكتبه، ويتكلَّم بصوت خفي بكلمات غير مفهومة، تذكرت عندما سألَته عما يجري كيف أنه نظر إليها وفي عينيه نظرة رعب وخوف، وكيف أنه همس بصوت خافت خائف: "إنهم يحاولون أن يجدوني... هم يريدون أن يقبضوا علي ويقدموني للمحاكمة العسكرية... أنا أعلم أنهم يتآمرون ضدي، وأنهم يخطِّطون لقتلي"!، تذكرت سها دموعها التي جرت وهي تحاول أن تقنع أخاها الحبيب أنه في أمان، وأنه لا يوجد أي شخص يحاول اغتياله.. ولكن كان سلام يبدو وكأنه يهيم في عالم آخر... كأنه في عالم آخر يَسمع فيه أصواتًا لا تسمعها هي، ويرى أشياء لا تراها هي.. كان يتصرف كأنه يرى الخطر في ظل كل حركة ونفس، تذكرت كيف خرجت باكية من الغرفة، وكيف أسرعت إلى والديها مستنجدة أن ينقذوا "سلام" من الصراع النفسي القاتل الذي يهيم فيه. تذكَّرَت سها كيف أنها في تلك الفترة لم تكن على علم بتطورات أخيها الصحية؛ حيث لم يشاركها والداها بأخبار وتحاليل الأطباء وفحوصات الدم والرنين المغناطيسي، وكل الفحوصات المتعددة التي مرَّ بها.. كل ما قالوه لها: إن أخاها يمر بوقت عصيب، وإنهم جميعًا يحتاجون إلى أن يصبروا معه، وألا يعارضوه في أفكاره وأوهامه، كل ما تَذكره عن والديها في تلك الفترة هو أنه كلما همَّت بأن تسأل والدها عن سبب تصرف سلام هذه التصرفات الغريبة التي تصل إلى حدِّ الجنون والهلوسة، نظرَت إلى عيني والدها، فإذا بها ترى نظرة التعب والإرهاق الجسدي والنفسي والمرارة معكوسة في عينيه، وأنها كلما كانت على وشك أن تسأل أمها عن حالة سلام رأت نظرة الحزن والخوف يغمران تقاطيع وجهها، فإذا بها تلجم لسانها، وتحبس تساؤلاتها... تذكرت سها حال أختها الصغيرة ريما ذات الأعوام الثلاثة، وكيف أنها في تلك الفترة تغيرت معاملتها لسلام.. فبعد أن كانت شغوفة بأخيها، وكانت تركض إلى باب البيت عندما تعلم أن أخاها قد عاد إلى البيت حتى يستقبلها ويرفعها ويطيرها في الهواء ويعطيها الحلوى التي خبأها لها، تغيرَت وصارت تخاف منه وتخاف من عنفه وصراخه وعدم مبالاته بها، صارت ريما لا تركض إليه، وتخاف أن تقول له شيئًا فيصرخ فيها ويعنفها ويتهمها بسرقة أشياء من غرفته. جرَّتها أفكارها إلى كل الاتهامات المحمومة التي كان يتكلم سلام عنها.. كان يقول: إن كل من حوله يحاول أن يغتاله ويقتله؛ لأنه شخص عصامي بطل، وإن أخته الصغيرة تسرق أقلامَه وملابسه الداخلية من غرفته، وإن الطريق إلى المدرسة مزروع بالألغام، وإنه يجب عليه أن يمشي بحذر شديد يعدُّ خطواته، وكيف أنه لا يكلم صديقه عمر الآن؛ لأنه إنسان فاسق شاذ حاول أن يَحتضنه وأن يقبِّله على شفتيه... كانت كل الاتهامات على حدة، واتهاماته لها على جانب آخر، كان يتهمها بأنها سرقت ذهنه وعقله، وأنها إنسانة أنانية تحاول أن تأخذ طاقته وتدمِّره، وأنها مشتركة مع العدوِّ في محاولة اعتقاله وتقديمه للمحاكمة، تذكَّرَت كيف كان يسهر الليل إلى وجه الفجر وهو يمشي ذهابًا وإيابًا ويفكِّر ويخطط لطرق الهرب إن تمَّ القبض عليه... تذكرت سها تلك الأيام ولم تتمالك أن تمسح دمعتين حنونتين سرت على وجنتيها... يا **** كم كانت تلك الأيام صعبة.. بل إن كلمة صعبة كلمة ركيكة وضعيفة، ولا تصف مشاعرها ولا مشاعر عائلتها الحزينة في تلك الشهور.. وطبعًا لا تصف حالة وإحساس سلام نفسه في تلك الفترة المريرة القاتمة... لطالما كانت عائلتها عائلة متماسكة، عائلة تخاف [B]*[I]َ تعالى، وتُعلِّم أفرادها حبَّ *[/I][/B] ورسوله ودينه، والسعي إلى التطور والتقدم، وهم طبعًا لم يريدوا لذريتهم أن يخسروا لا الدنيا ولا الآخرة، وإنما أن يسعوا ويتعلموا ويتطوروا، تذكرت كيف كانت النكت والطرائف تدور حول أطراف مائدة الطعام، وكيف كانت الضحكات والقهقهات شيئًا متعارفًا عليه في جدولهم اليومي... لكن كل ذلك كان قبل ميلادهما السابع عشر... عندما اضطروا أن يأخذوا سلام إلى مستشفى الأمراض العقلية ليمكث هناك لأكثر من أربعة شهور.. إلى أن تمكَّن الأطباء من تشخيص مرضه، ويا لأسفها عندما علمت أن ما يمر فيه توءمها لم يكن نتيجة هرمونات مرحلة المراهقة، أو تعرُّضه لأزمة نفسية، أو تعاطيه للمخدرات المحرَّمة، وإنما كان مرضًا لم يسمعوا عنه حتى ذلك اليوم إلا في الأفلام، وخاصة الأفلام الراعبة... كان ذلك أول لقاء لهم مع ما يعرف اليوم بمرض الفصام أو الشيزوفرينيا. كانت أيام وجود سلام في المستشفى من أحلك الأيام والليالي في حياة أسرتهم؛ فلطالما استيقظت في منتصف الليل وهي تسمع نحيب والدتها وهي جالسة على سجادة الصلاة تستنجد بربِّ العباد ورب الأرباب وطبيب الأطباء بأن يشفي ولدها، وأن يرده إليها سليمًا معافًى، وأن يطرد الشياطين التي صارت تتخبَّط في نفسه حتى صار إنسانًا آخر... تذكرت سُها أيضًا أن أمها كانت في النهار وأمام الجميع تتظاهر بالسكينة والهدوء والأمل وتمالك الأعصاب، ولكنها عندما كانت تنظر في أعماق عيني أمها كانت تحسُّ أن أمها ممزقة ما بين خوفها على ولدها الذي فقدته وهو في المستشفى وما بين خوفها وقلقها على سُها وريما وعائلتهم المشتتة، تذكرت سُها والدها الحبيب في سعيه المحموم في إيجاد الطبيب الصالح الواعي لما يجري من دون أن يحكم باليأس على حالة مريضه، تذكَّرَت سعي والدها في توفير مصاريف الدواء والمستشفى... وتذكرت نفسها وهي واقفة عاجزة أمام ما يجري من حولها من أحداث، ترى توءمها في صراع وحرب نفسية مع وساوسه وهواجسه وعالمه الخيالي وصراخه وخوفه ورعبه... وتذكَّرَت حال العالم والناس من حولهم وتسرعهم في الحكم بالإدانة لوالديها بأنهم السبب فيما جرى لولدهم. •••• عندما خرج أخوها سلام من المستشفى كان كأنه شخص آخر؛ كان هادئًا أكثر من الطبيعي، صامتًا لا يعلق على ما يجري حوله من أحداث، كان هذا الأمر كما شرح لهم الطبيب النفسي المعالج لسلام هو من الأعراض الجانبية للأدوية العديدة التي يأخذها، استغرق الأمر شهورًا عدة، ولكن الحمد لله وبعد جلسات علاج عديدة واستمرار في أخذ الأدوية، تمكَّن سلام من العودة إلى أرض الواقع، لم يعُد يسمع أصواتًا تهمس في أذنيه أو يتصور خزعبلات وأوهام غير واقعية، لكنه لم ينسَ قط المرحلة التي مرَّ بها، كانت ترى أنه ما زال يتصارع مع إحساسه بالخجل من مرضه، وتفضيله بألا يلتقي بالناس الذين آذاهم بالكلام، أو بتوجيه الاتهامات في فترة مرضه، استمر على العزلة لمدة طويلة، لم يخرجه منها إلا رحمة **** تعالى أولًا، ومن ثمَّ الجلسات الطويلة التي كان يجلسها مع معالجه وطبيبه النفسي. لم يكمل سلام سنته الدراسية في ذلك العام، رغم أنه كان آخر عام له في الدراسة، وإنما أخذ رخصة طبية بتأجيل وإعادة السنة من جديد، كان ذلك الخيار من الخيارات الموفقة في حياته؛ حيث تحول إلى مدرسة أخرى، وبدأ العام الدراسي مع دفعة جديدة وأصحاب جدد. كان سلام يأمل في أن يكون طبيبًا، لكن بعد تجربته المريرة مع مرض الفصام، ومعرفته بأن هذا المرَض سوف يلازمه مدى الحياة، اختار أن يتوجَّه إلى تخصص آخر، لقد تخصَّص في فن إدارة الفنادق، كان يشاركها أفكاره قائلًا: "إنِّي أخاف أن أكون طبيبًا، ومن ثم تأتيني الأزمة وقد أؤذي مريضًا بغير قصد، وهذا شيء لا يمكنني أن أسامح نفسي عليه إن حدث"، أما هي فقد اختارَت علم النفس كتخصص لها، ولا عجب في ذلك؛ فعلم النفس كان من أحب المواضيع إلى قلبها، فلطالما حنَّتْ إلى فهم المزيد عن هذه النفس البشرية التي خلقها **** تعالى... ولطالما حثت نفسها على فهم ما حل بعائلتها، وبالأخص بتوءمها وحبيبها سلام. لقد تعلمت هي وعائلتها الكثير، وما زالوا يتعلمون شيئًا جديدًا كل يوم، كان من أهم ما تعلمته سُها وتعلمه أخوها وعائلتهما الحبيبة: أن يتعايشوا مع الأمر الواقع، وأن يساندوا بعضهم البعض، وأن يستعينوا بسلاح العلم حتى يفهموا هذا المرض العصيب وكيفيه التعامل معه، نعم المصاب كبير، ولكن رحمة [B]** أكبر، والدتهم علمتهم الصبر والحمد على نعم **[/B] التي لا تُحصى، وأن تتمسك بحُسن الظن ب[B]*[I]، كانت والدتهم دائمًا تقول لهم: "احمدوا *[/I][/B] تعالى أن أعاد لنا سلام سالمًا إلى البيت، بعد أن أوشكت أن أيئس من عودته لولا رحمة ****، الحمد لله أنه الآن معنا في عالم الواقع بعيدًا عن المخاوف والأوهام"، علمتهم أمهم المجاهَدة والكفاح، وهي صارت الأم والطبيبة والممرضة والمرافقة والمدرسة، وكُل شيء مهم في حياة ولدها، وخاصة في فترات مرضه التي تذهب وتأتي. أما والدهم فقد علمهم العطف والرضا بقضاء **** تعالى، والسعي في طلب الرزق الحلال، والتوفير ليوم قد يحتاج فيه سلام للدرهم قبل الدينار، حتى أختها الصغيرة ريما علمتهم أنها ممكن أن تُحب مرة أخرى، وأن تتعلم الثقة مرة أخرى، وأن نبع حُب الأسرة نبع لا ينضب. أما سلام فقد علمهم الكثير: علمهم معنى نعمة الصحة والعافية، علمهم أن يعيشوا ويتمتعوا باللحظة والوقت الذي هم فيه معًا، علمهم معنى المقاومة والصمود بعد أن تغلَّب على مخاوفه وخرج من أزمته ومرضه وهو أقوى من قبل وأكثر حكمة وأكثر تفهمًا لمن هم أقل منه في القدرات والمهارات، علمهم ضعف الإنسان، وقوة الإنسان! علمهم نعمة العقل.. علمهم العطاء وهو يقضي من أوقاته ساعات كُل أسبوع يعين فيه الشباب والأطفال الذين يعانون من الأمراض العقلية والنفسية، وكأنه يقول: "أريد أن يحسوا أنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك ضوءًا في نهاية النفق، وأن الشفاء بيد **** تعالى، وأن كُل شيء مكتوب، فمن رضي له الرضا، ومن سخط فله السخط"، علمهم أن مرض الفصام يأتي ويذهب ما بين حين وآخر، وأنه في بعض الأحيان ليس للإنسان إلا أن يطأطئ وينحني وينتظر أن تذهب العاصفة ويحل السكون من جديد.. علمهم أن يُحبوا الحياة بمُرها وحلوها، بفرحها وحُزنها، بصحتها ومرضها. •••• تنبهت سُها إلى ما حولها عندما سمعت هتافات الطلبة وفرحهم وقد ضجَّتِ القاعة بالتصفيق والتشجيع لمدير الجامعة بعد أن أنهى كلمته مهنئًا فيها الخريجين وأهاليهم بهذا اليوم المميز... اليوم الذي يحتفلون فيه بثمرة جهدهم وصبرهم، نظرت بعينيها إلى المكان الذي اختارت عائلتها أن تجلس فيه، أمعنت النظر ورأت أخاها سلام جالسًا هناك وابتسامة مشجعة على وجهه.. رفع يده إليها بالتحية، ووجدت سُها نفسها ترد التحية بابتسامة صافية وقلب مغمور بالحب... "هذا هو أخي وتوءمي".. لقد جاء ليشاركها الفرحة ويعلمها بفخره بها... كما هي فخورة به[/B] [/QUOTE]
إدراج الإقتباسات…
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
كتابات و قصص السكس العربي
قصص سكس
لن اعيش معك
Personalize
Wide Page
Expands the page.
Alternative Color
Changes the base color.
أعلى
أسفل